الصداع الناتج عن زيادة استخدام المسكنات - تخلص من الصداع بدون أدوية

الصداع الناتج عن زيادة استخدام المسكنات

غالبا ما يتناول المصابون بالصداع المتكرر مسكنات الألم بشكل متكرر. وعندما يزداد حدوث الصداع أكثر من ذي قبل، فإنهم يقومون بتناول مسكنات الألم بصورة أكثر أيضا. بعد فترة من الوقت، قد يلاحظون (على الرغم من أنهم غالبا ما لا يتنبهون) أنهم يتناولون المسكنات كل يوم تقريبا. وباختصار، فإنهم يتناولون الدواء بشكل متكرر أكثر فأكثر ويواجهون مزيدا من الصداع يوما بعد يوم.


على الرغم من أن الضحية النموذجية لهذا السيناريو تفترض أن الصداع يحدث على نحو أكثر تواترا على الرغم من أخذ المسكنات بشكل أكثر تواترا، إلا أن الحقيقة في هذه المسألة هي أن زيادة الصداع قد تحدث بسبب زيادة استخدام المسكنات. 
لقد أدخلت ضحية الصداع نفسها عن غير قصد في حلقة مفرغة حيث أن الأدوية التي تأخذها تجعل الصداع أسوأ من ذي قبل وأقل قابلية للعلاج. وتعرف هذه الحالة باسم "صداع الأستخدام الزائد للأدوية المسكنة لللألم" . وله اسم آخر هو "صداع المسكن المرتد". والمسكن هو الدواء المسكن للألم و "المرتد" تعني العائد بأتجاهك مثلما ترتد كرة السلة عن الشباك. ولكن في هذه الحالة ليست كرة السلة هي التي ترتد، ولكنه الألم في الرأس هو الذي يرتد اليك مرة أخرى بعد الإستراحة المؤقتة التي تقدمها الجرعة الأخيرة من الدواء المسكن. وللسهوله سوف نطلق عليه "صداع المسكنات" في هذه المقالة.

لا تحدث ظاهرة صداع المسكنات فقط مع المسكنات القوية التي لا تصرف إلا بوصفة طبية، ولكن أيضا مع المسكنات دون وصفة طبية مثل الأسبرين، الباراسيتامول (البانادول أو التايلنول)، الايبوبروفين و النابروكسين. وعندما يستخدم الكافيين كجزء من تركيبة الدواء المسكن، يمكن أن يكون سببا في صداع المسكنات أيضا. ولا يمكن أيضا تجنب ظاهرة صداع المسكنات من خلال استبدال دواء مسكن بآخر بشكل دوري. ولذلك فأن جميع الأدوية المسكنة للألم تتساوى من ناحية التسبب بظاهرة صداع المسكنات.

إن ظاهرة صداع المسكنات ليست نادرة. ففي دراسة أجريت مؤخرا على 64،560 شخصا، وجد باحثون في جامعة النرويج للعلوم والتكنولوجيا في تروندهايم أن 1.3% من النساء و 0.7% من الرجال لديهم هذه الحالة. وقد كانت معدلات الإصابة تزداد بأزدياد العمر من عمر 20 عاما حتى عمر 50 عاما ثم تبدأ بالإنخفاض تدريجيا.

ومن خلال ممارستي الطبية في المجتمع، أجد أن المرضى نادرا ما يكونوا قد سمعوا عن صداع المسكنات. حيث لا يتم مناقشة هذا الموضوع على البرامج التلفزيونية أو في المجلات. فكيف يمكن لضحية الصداع المتكرر الدفاع عن نفسها من شيء لم تسمع عنه من قبل؟ انها لصعوبة بالغة!. ومن الحقائق المؤسفة الأخرى هي أن التخلص من صداع المسكنات هو أمر صعب أيضا. إن من الأفضل عدم الوقوع في متلازمة صداع المسكنات من البداية. فإنه من الأسهل منع متلازمة صداع المسكنات من الحصول بدلا من محاولة التخلص منها بمجرد حدوثها.

الأستخدام الزائد للأدوية المسكنة لللألم


مثل كل الأشحاص الآخرين الذين يعانون من الألام التي لا تتوقف أو التي تكرر بكثرة،فأن ضحايا الصداع المتكرر يعيشون من لحظة إلى أخرى مع ألمهم. لذلك فمن السهل أن نراهم ينخرطون في نمط من تناول الكثير من مسكنات الألم. بالنسبة لهم، لا علاقة بين الأمس والغد, كل ما يعرفونه هو أنهم يتألمون الآن وهم يريدون أن يفعلوا شيئا حيال ذلك. لذلك فإن أيديهم تصل الى أي دواء مسكن للألم سواء بوصفة طبية أو بدونها للتخلص من الألم في تلك اللحظة. وتوفر لهم مسكنات الألم فائدة مؤقتة (وإلا، لما إستمروا في تناولها). ولكن بعد 4-24 ساعة أخرى، عندما يعاود الألم الظهور، فإنهم يصبحون في نفس الورطة كما في السابق، ولذلك يتناولون جرعة أخرى من مسكنات الألم.

يعتقد  البعض أن الأشخاص الذين يعانون من آلام متكررة ,مزعجة ومعطلة لأعمالهم اليومية, يمكنهم أن يحصوا بدقة كبيرة وتيرة ومدة وشدة هجمات الألم، أو أن يقدموا تقديرات موثوقة عن عدد المرات التي يعانون فيها من ألم شديد، أو متوسط أو مجرد الم خفيف. ولكن عندما أجري مقابلة مع أشخاص لديهم هذه المشكلة، عادة ما أجد العكس تماما. ما يريدون أن يخبروني عنه هو الألم الذي لديهم الآن على الرغم من أنني أراهم للمرة الأولى لمشكلة كانت موجودة لديهم لعدة أشهر أو حتى سنوات. أنهم يصابون بالحيرة تماما (أو حتى يغضبون) عندما أسألهم أسئلة بسيطة مثل: "كم يوما في الشهر لا يؤلمك رأسك؟" أو، "كم يوما في الشهر لا تعاني من الألم لمدة يوم كامل؟".

وعلاوة على ذلك، عندما يحاول المرضى التوصل إلى أرقام لتوصيف عبء أعراضهم، فإنهم يتوجهون بطبيعة الحال إلى "الصداع الشديد" - أسوأ ما يعانوه - وحذف "الصداع العادي" غير الشديد الذي لا يعتبرونه مشكلة كبيرة، على الرغم من أنهم يتناولون حبوب الأدوية المسكنة للألم لهذا "الصداع العادي" وبالرغم من أنه يحدث كل يوم تقريبا.

صداع المسكنات

باختصار، يبدو من الصعب على المرضى الذين يعانون من متلازمة صداع المسكنات رؤية الصورة الكبيرة أو تبني منظور طويل الأجل.

على أية حال، الفكرة الأساسية في متلازمة صداع المسكنات هي أن الاستخدام المتكرر لمسكنات الألم حسب الحاجة يحول اضطراب الصداع الأصلي من أي شيء بدأه ( ربما الصداع النصفي، والصداع بسبب التوتر أو حتى مزيج من الاثنين ) إلى حالة أسوأ. مسكنات الألم تغير الصداع الأصلي وتدخله في مشكلة جديدة ذات خصائص مختلفة. وتكون العلاجات المحددة والموجهة نحو الصداع الأصلي غير فعالة حتى يتم التخلص من ظاهرة صداع المسكنات.

ولا يتم التخلص من صداع المسكنات حتى تتوقف الضحية عن تناول مسكنات الألم وتفعل ذلك على أساس مستمر. قد يستغرق الأمر ما يصل إلى شهرين ليتم التخلص من صداع المسكنات. النهج النهائي هو بدون المسكنات تماما. في حين يمكن للمرء أن يمنع صداع المسكنات عن طريق عدم تناول المسكنات أكثر من 10-12 يوما في الشهر، وبمجرد حدوث صداع المسكنات، فإن خفض استخدام المسكنات إلى 10-12 يوما فقط في الشهر ربما لا يكفي للتخلص منها. والنهج الأفضل هو تجنبها تماما. والهدف من ذلك هو العودة إلى اضطراب الصداع الأصلي. وبمجرد انحسار صداع المسكنات، يمكن علاج اضطراب الصداع الأصلي مع علاجات أكثر استهدافا (عادة يتم ذلك بالعلاج الوقائي بدلا من الاعتماد على علاجات الأزمة باعتبارها الدعامة الأساسية) مع توقع الحصول على نتائج أفضل.

عندما أناقش صداع المسكنات مع الأشخاص غير المحظوظين المصابين بصداع المسكنات، فإنهم يستجيبون عادة  بإيماء رؤوسهم إيجابا. لقد رأوا بأم أعينهم ما أصفه. انهم سعداء عادة لمعرفة ان هناك اسما لما يؤثر عليهم، وأن هناك دراسات قد تم القيام بها عن هذا الموضوع والتي توفر التوجيه بشأن ما يجب القيام به لإخراجهم من الورطة التي دخلوا بها. وانا أصر دائما على الإشارة إلى أنه إذا كان ما كانوا يفعلونه جيدا بما فيه الكفاية، لما كانوا بحاجة لرؤيتي في المقام الأول. أو بدلا من ذلك، إذا كان ما كانوا يفعلونه مقررا له أن يكون استراتيجية فعالة، لكان ينبغي أن يشهدوا فوائده الآن. ولكن بسبب تفاقم حالة الصداع، ومن أجل تحقيق الأفضل، هناك حاجة إلى استراتيجية جديدة.

البرنامج الذي نرسمه معا يحتوي على عنصرين ضروريين - وقف المسكنات وتتبع أعراض الصداع كل يوم مع نظام تسجيل. نظام التسجيل لا يحتاج إلى أن يكون معقدا، ويمكن أن يكون بسيطا مثل تقييم الألم كل يوم ك( لا شيء، خفيف، متوسط أو شديد). الميزة الهامة هي أن يسجل المريض تجربة الألم كل يوم قبل أن ينتهي ذلك اليوم. هذه الأداة تساعد كل من المريض والطبيب لرؤية الصورة الكبيرة وكسب منظور على المدى الطويل. أيضا، يمكن تحويل التسجيلات كل شهر إلى أرقام ومقارنتها مع نتائج اي شهر آخر.

كل شيء آخر ثانوي. في بعض الأحيان من المفيد وصف الدواء "الوقائي" مثل أميتريبتيلين، ولكن فقط إذا كان المريض يفهم أنه ليس بديلا عن التغيير الأكثر أهمية وهو التوقف عن تناول مسكنات الألم.  الغرض الرئيسي من الدواء الوقائي عند وصفه، هو للتقليل من عدد نوبات الصداع النصفي اوالصداع التوتري بمجرد التخلص من متلازمة صداع المسكنات. الدواء الوقائي هو تزويق جيد، ولكن إذا كان يصرف المريض عن التوقف عن تناول المسكنات (على سبيل المثال "الحبوب الجديدة التي أعطيتها لي لم تفعل شيئا") فمن الأفضل أن لا توصف حتى يتم التحلص نهائيا من تأثير متلازمة  صداع المسكنات.